فصل: شبه الْمُخَالفين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التلخيص في أصول الفقه



.القَوْل فِي منع التَّقْلِيد فِي الْفُرُوع:

اعْلَم أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي جَوَاز التَّقْلِيد فِي الْفُرُوع.
وَالْكَلَام فِي هَذَا يَنْقَسِم إِلَى أصلين.
أَحدهمَا: تَقْلِيد الصَّحَابَة وَالثَّانِي: تَقْلِيد من عداهم من الْعلمَاء فَأَما تَقْلِيد الصَّحَابَة فسنفرده بالْكلَام بعد ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَأما تَقْلِيد من سواهُم - فقد اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ.
فَذهب بَعضهم إِلَى أَنه يجوز للْعَالم إِذا عنت حَادِثَة أَن يُقَلّد عَالما مَعَ اقتداره أَن يجْتَهد لنَفسِهِ، ثمَّ الَّذين سوغوا التَّقْلِيد فِي هَذِه الصُّورَة اخْتلفُوا فِي أَنه هَل يجوز أَن يُقَلّد ليفتي بِمَا قلد فِيهِ ؟ فَمنهمْ من جوز ذَلِك. وَمِنْهُم من أَبَاهُ .
وَذهب بعض الْعلمَاء إِلَى أَنه لَا يجوز للْعَالم أَن يُقَلّد عَالما فِي مثل دَرَجَته. وَيجوز لَهُ أَن يُقَلّد من هُوَ أعلم مِنْهُ مَعَ استوائهما فِي كَون كل وَاحِد مِنْهُمَا مُجْتَهدا . وَإِلَى ذَلِك مَال مُحَمَّد بن الْحسن.
وَأَبُو حنيفَة كَانَ يجوز التَّقْلِيد مُطلقًا.
وَذهب الشَّافِعِي ومعظم الْعلمَاء إِلَى أَنه لَا يجوز للْعَالم أَن يُقَلّد الْعَالم. من غير الصَّحَابَة.
ثمَّ هَؤُلَاءِ اخْتلفُوا فِي صُورَة وَاحِدَة .
وَهِي أَن الْعَالم إِذا استدت عَلَيْهِ طرق الِاجْتِهَاد وتضيق عَلَيْهِ حكم الْحَادِثَة نَحْو الِاجْتِهَاد فِي الْقبْلَة مَعَ تضييق وَقت الصَّلَاة فَهَل يسوغ لَهُ - وَالْحَالة هَذِه - أَن يُقَلّد عَالما؟.
فَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي منع التَّقْلِيد فِي هَذِه الصُّورَة أَيْضا وَأَجَازَ الْمُزنِيّ التَّقْلِيد فِي هَذِه الصُّورَة.
قَالَ القَاضِي رَضِي الله عَنهُ وَالَّذِي نختاره منع التَّقْلِيد.
وَإِذا قيل لنا: فَهَل فِي الشَّرْع من تَقْلِيد مُبَاح؟ أبيناه. فَإِن ألزمونا تَقْلِيد الْعَاميّ المستفتى - لم نجعله مُقَلدًا، على مَا أوضحنا القَوْل فِيهِ فِي الْبَاب السَّابِق.
وَنحن نقدم على الْخَوْض فِي الْحجَّاج فصلا، ذهل عَنهُ مُعظم الْمُتَكَلِّمين فِي هَذَا الْبَاب.
فَنَقُول: لَو رددنا إِلَى جائزات الْعُقُول، لَكَانَ أَخذ الْعَالم بقول عَالم آخر من الجائزات - لَو قَامَت بِهِ حجَّة سمعية - وَلَيْسَ من المستحيلات. فَكَانَ يجوز أَن يَقُول الرب تَعَالَى، لكل عَالم أَن يَأْخُذ بقول عَالم مثله وَيتْرك الِاجْتِهَاد.
ثمَّ لَو ثَبت ذَلِك لم يكن ذَلِك تقليدا.
بل يصير قَول الْعَالم الْمُفْتِي علما وأمارة فِي حق الْعَالم المستفتى وَيكون متمسكا بِمَا نَصبه الله تَعَالَى حجَّة لَهُ.
ومعظم من خَاضَ فِي هَذَا الْفَنّ بنى الْأَدِلَّة بِنَاء يدل على منع التَّقْلِيد عقلا، وَنحن نذْكر مَا ذكره مانعوا التَّقْلِيد ونبين فَسَاده.
ثمَّ نذْكر مَا عَلَيْهِ الْمعول، إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَجل.
فمما عولوا عَلَيْهِ أَن قَالُوا: كل عَالم بصدد أَن يزل فَإِذا لم تجب لَهُ الْعِصْمَة لم تقم بقوله الْحجَّة. إِذا كَانَ الْمُجْتَهد قَادِرًا على التَّمَسُّك بالحجاج وَالِاجْتِهَاد. فَذَلِك أَحْرَى لَهُ. وَهَذِه دَعْوَى مُجَرّدَة.
فَيُقَال لَهُم: لم زعمتم أَن من لَا تجب لَهُ الْعِصْمَة لَا يجوز الرُّجُوع إِلَى قَوْله. وَهل تنازعون إِلَّا فِي هَذَا؟ فَلَو قَالَ الرب تَعَالَى مهما صدر قَول من عَالم فاقبلوه. فَإِن جوزتم خطأه فَحكى عَلَيْكُم مُوجب قَوْله وَلَا عَلَيْكُم لَو أَخطَأ فِي نَفسه - كَانَ ذَلِك غير مُسْتَحِيل.
وَالَّذِي يُوضح ذَلِك أَنا نرْجِع إِلَى قَول الروَاة مَعَ جَوَاز زللهم وَنَرْجِع إِلَى طرق الِاعْتِبَار فِي المجتهدات، وَإِن كُنَّا لَا نقطع بهَا. وَنَرْجِع إِلَى قَول الشُّهُود فِي الحكومات والخصومات، مَعَ أَنا لَا نقطع بصدقهم. فَبَطل التعويل على هَذِه الطَّرِيقَة.
وَمِمَّا عولوا عَلَيْهِ أَيْضا، أَن قَالُوا: إِذا اسْتَوَى العالمان فِي التَّمَكُّن من الِاجْتِهَاد، فيتنزلان فِي ذَلِك منزلَة الْعَاميّ والعالم فِي أصل الدّين. فَإِنَّهُمَا لما اسْتَويَا فِي تصور الِاسْتِدْلَال وَالنَّظَر من كل وَاحِد، مِنْهُمَا فِي أصل الدّين، لم يجز للعامي تَقْلِيد الْعَالم فِيمَا يقدر على الِاجْتِهَاد فِيهِ. فَكَذَلِك العالمان فِي الْفُرُوع فَيُقَال لَهُم: هَذَا غير مُسْتَقِيم. فَإنَّا لَو قَدرنَا وُرُود الشَّرْع بتقليد الْعَالم الْعَالم فِي الْفُرُوع لم يسْتَحل كَمَا قدمْنَاهُ فِي صدر الْبَاب. وَلَو قَدرنَا وُرُود الشَّرْع بالتقليد فِي معرفَة الله تَعَالَى، لَكَانَ مستحيلا. فَإِن من شَرط وُرُود التَّكْلِيف معرفَة الْمُكَلف و لن يعلم من طَرِيق التَّقْلِيد. فَلَو قَالَ الله تَعَالَى - لَا تستدلوا و أعلموني لَكَانَ ذَلِك من قبيل تَكْلِيف الْمحَال. وَهَذَا بَين لكل من تَأمله.
على أَن الِاجْتِهَاد فِي الْفُرُوع، إِنَّمَا هُوَ تمسك بِمَا لَا يقطع بِهِ، وَلَيْسَ كالاستدلال فِي الْأُصُول. فَكل مَا يوردونه يبطل بقريب من الطّرق الَّتِي ذَكرنَاهَا.
وَمِمَّا يستدلون بِهِ أَيْضا، أَن قَالُوا: لَو جَازَ للْعَالم تَقْلِيد الْعَالم لما افترق المتبع والمتبع. وَالشّرط أَن يُفَارق التَّابِع الْمَتْبُوع إِمَّا فِي علم وَإِمَّا فِي عصمَة. وَقد عدما جَمِيعًا فِي الْمُتَنَازع فِيهِ.
فَيُقَال لَهُم وَهَذِه دَعْوَى أَيْضا.
ثمَّ نقُول و لم شرطتم اخْتِلَاف التَّابِع والمتبوع فِي الْعِصْمَة وَالْعلم؟ وَعَن هَذَا تسئلون فيضعف كل مَا يعتصمون بِهِ.
وَرُبمَا يستدلون بظواهر، لَا تقوم بهَا حجَّة. وَهِي كَثِيرَة.
وَالَّذِي يجب التعويل عَلَيْهِ، أَن نقُول: لَو جَوَّزنَا للْعَالم أَن يُقَلّد الْعَالم، لَكَانَ قَوْله فِي حَقه علما مَنْصُوبًا على الحكم الْوَاجِب عَلَيْهِ و ينزل ذَلِك منزلَة سَائِر الْأَدِلَّة المنصوبة فِي الشرعيات، على مَا أوضحناه فِيمَا سبق.
وَإِذا كَانَ كَذَلِك فيستحيل إثْبَاته دَلِيلا، عقلا. فَإِن الْأَدِلَّة السمعية يدْرك جَوَاز كَونهَا أَدِلَّة، بالعقول.
فَأَما أَن يدْرك ثُبُوتهَا أَدِلَّة بالعقول فَلَا .
فَإِنَّهَا لَا تدل على مدلولاتها لأنفسها. وَإِنَّمَا تدل بِنصب صَاحب الشَّرِيعَة إِيَّاهَا أَدِلَّة.
فَإِذا أوضح ذَلِك قُلْنَا: قد قَامَت الدّلَالَة القاطعة على انتصاب المقاييس والعبر وَغَيرهَا من طرق الِاجْتِهَاد أَدِلَّة . وَبَقِي التَّقْلِيد على النزاع.
وموارد الشَّرْع الَّتِي تلتمس مِنْهَا دلالات الْقطع مضبوطة مِنْهَا: نُصُوص الْكتاب و السّنة المستفيضة واجماع الْأمة. وَلَيْسَ مَعَ خصومنا نَص كتاب وَلَا نَص سنة مستفيضة. وَلَا يَنْبَغِي الْإِجْمَاع فِي مَوضِع الْخلاف.
فَهَذِهِ مصَادر الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة القطعية، فَإِذا انسدت بَطل كَون قَول الْعَالم حجَّة فِي حق عَالم مثله.
فَإِن قَالُوا: أما الْإِجْمَاع فَلَا ندعيه.
وَأما نُصُوص الْكتاب فَلم زعمتم انتفائها؟ وَهل هَذَا إِلَّا تمسك مِنْكُم بِالدَّعْوَى! وَكَذَلِكَ الْمُطَالبَة فِي السّنَن.
قيل لَهُم: هَذَا الْآن تعنت مِنْكُم وعناد. فَإنَّا قُلْنَا: لَيْسَ مَعكُمْ نَص كتاب لَا يقبل التَّأْوِيل، فِي إِثْبَات التَّقْلِيد، وَلَا يمكننا أَن نتلو الْقُرْآن عَلَيْكُم من أَوله إِلَى آخِره. و لَكِن تأملنا مَا بِهِ اعتصامكم من آي الْكتاب. فرأيناها لَا تبلغ مبلغ النُّصُوص. ويعارضها مَا هُوَ أقوى مِنْهَا فِي الِاحْتِجَاج.
وَمَا قُلْنَاهُ فِي السّنَن يتَحَقَّق على هَذَا الْمنْهَج. إِذْ لَيْسَ فِيهَا نَص . وَلَو قدر كَانَ سَبيله الْآحَاد. وتتأكد هَذِه الدّلَالَة بِأَصْل نوضحه فَنَقُول: لَا ينْتَصب الشَّيْء دَلِيلا وعلما فِي الشرعيات إِلَّا بِدلَالَة قَاطِعَة. فَإِنَّهُ لَو ثَبت بِمَا لَا يقطع بِهِ لاحتيج إِلَى إِثْبَات مثبته
ثمَّ يتسلسل القَوْل فِيهِ إِلَى مَا لَا يتناهى
فَهَذِهِ هِيَ الدّلَالَة السديدة، وَمَا عَلَيْهَا معترض.
فَإِن قَالُوا: أَكثر مَا ادعيتموه انْتِفَاء وُرُود الشَّرْع بِنصب الْعَالم علما فِي حق الْعَالم. وَعدم وُرُود الشَّرْع لَا يدل على تَحْرِيم التَّقْلِيد. فَإِن التَّحْرِيم يفْتَقر إِلَى دَلِيل. كَمَا أَن الْإِبَاحَة تفْتَقر إِلَى دَلِيل. وَانْتِفَاء دَلِيل الْإِبَاحَة لَا يدل على التَّحْرِيم.
وَهَذَا لعمري سُؤال يجب الاعتناء بِالْجَوَابِ عَنهُ.
فَنَقُول: إِذا ثَبت أَن قَول الْعَالم لم ينْتَصب علما وَشرعا، وَلم تقم عَلَيْهِ حجَّة وَمثل ذَلِك لَو قدر لَكَانَ سَبيله الشَّرْع. وَقد وضح وجوب الِاجْتِهَاد بالأدلة القاطعة. فَلَا سَبِيل إِلَى ترك مَا ثَبت قطعا، بِمَا لم يثبت.
هَذَا بِأَن نقُول: أجمع الْمُسلمُونَ على أَن من تصدى لَهُ طَرِيقَانِ شرعيان و وضح طَرِيق الشَّرْع فِي أَحدهمَا وجوبا، وَلم يرد الشَّرْع فِي الثَّانِي، لَا نفيا وَلَا إِثْبَاتًا فَيجب التَّمَسُّك بِمَا وضح الشَّرْع فِيهِ. وَهَذَا إِجْمَاع. فَإِذا ثَبت لنا انْتِفَاء الْأَدِلَّة السمعية، فَتثبت مُلَازمَة الِاجْتِهَاد بطرِيق الْإِجْمَاع. وَهَذَا وَاضح لَا خَفَاء بِهِ.
وَأَوْمَأَ القَاضِي رَضِي الله عَنهُ إِلَى الِاسْتِدْلَال بالظواهر المنصوبة على الْأَمر بِالِاعْتِبَارِ، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {فاعتبروا يأولي الأبصر} وَقَوله تَعَالَى: {أَفلا يتدبرون القرءان} إِلَى غير ذَلِك من الظَّوَاهِر الدَّالَّة على وجوب الِاعْتِبَار. وَهِي سهلة الْمدْرك إِذا تتبعتها. وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {اتبعُوا مَا أنزل إِلَيْكُم}.
وَكَذَلِكَ شَوَاهِد من سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلكنهَا آحَاد.
وكل مَا ذَكرْنَاهُ دَلِيلا فِي هَذَا الْفَصْل، فَهُوَ دَلِيل فِي جملَة فُصُول الْبَاب، فَيرد بِهِ على من جوز الْفَتْوَى بالتقليد، وعَلى من جوز تَقْلِيد الأعلم. و طَرِيق الرَّد على جَمِيعهم وَاحِد، غير مُخْتَلف.

.شبه الْمُخَالفين:

فمما تمسكوا بِهِ، أَن قَالُوا: إِذا جَازَ للعامي أَن يُقَلّد الْعَالم لم يستبعد ذَلِك فِي الْعَالم. فَإِنَّهُ فِي حَال تَقْلِيده، غير عَالم بِمَا قلد فِيهِ كَمَا أَن الْعَاميّ غير عَالم بِمَا يستفتي فِيهِ .
وَهَذَا سَاقِط من الْكَلَام. إِذْ ذكرنَا أَن الْعَاميّ لَا يكون مُقَلدًا فِي استفتائه وَلَكِن ينزل قَول الْعَالم فِي حَقه، منزلَة الْأَدِلَّة فِي حق الْمُجْتَهدين. وَقد قَامَت دلَالَة الاجماع على انتصاب قَول الْعَالم علما عَلَيْهِ، وَلَا دَلِيل على كَونه علما فِي حق الْعَالم.
وَلَيْسَت هَذِه الْمَسْأَلَة مِمَّا يتَمَسَّك فِيهَا بالطرديات. وسبيلك فِي مفاتحة الْكَلَام عَلَيْهِم، إِذا تمسكوا بِهَذَا الطَّرْد أَن تطالبهم بِإِثْبَات عِلّة الأَصْل لتحَقّق بعد ذَلِك الْجمع بَين الْفَرْع وَالْأَصْل. وَلَا سَبِيل لَهُم إِلَى ذَلِك.
وَقد استدلوا بجملة من الظَّوَاهِر، أقواها قَوْله تَعَالَى:
{فسئلوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وَهَذَا الْمُجْتَهد غير عَالم بالحادثة الَّتِي وَقعت، إِذْ لم يتَّفق اجْتِهَاده فِيهَا فَيَنْبَغِي أَن يسْأَل من يعلمهَا.
فَنَقُول: هَذَا الَّذِي ذكرتموه يُخَالف الظَّاهِر، وأقوال الْمُفَسّرين وَذَلِكَ أَن الْمَعْنى بِالْآيَةِ تَوْجِيه الْأَمر بالسؤال على الَّذين لَا يتمكنون من الِاجْتِهَاد. وفحوى الْآيَة يُنبئ عَن ذَلِك. فَإِنَّهُ تَعَالَى قسم السَّائِل والمسؤول قسمَيْنِ.
فوصف المسؤول بِكَوْنِهِ من أهل الذّكر. وَوصف السَّائِل بِأَنَّهُ لَا يعلم.
و هَذَا الضَّرْب من التَّقْسِيم مُصَرح بِأَن السَّائِل من الَّذين لَا يعدون من الْعلمَاء. وَلَا ينْدَرج تَحْتَهُ من وَقعت لَهُ حَادِثَة، وَهُوَ قَادر على دَرك الحكم فِيهَا.
وَالَّذِي يُوضح الْحق فِي ذَلِك، أَن من جوز تَقْلِيد الْعَاميّ
للْعَالم لم يشْتَرط أَن يكون الْمُقَلّد قد سبق مِنْهُ النّظر وَالِاجْتِهَاد قبل استفتائه وَليكن عَالما عِنْد الاستفتاء بل جوز أَن يبتدي المسؤول الِاجْتِهَاد بعد السُّؤَال فَيكون المسؤول إِذا على قَول المستدلين بِظَاهِر الْآيَة مِمَّن لَا يعلم. وَهَذَا وَاضح جدا فِي رد استدلالهم.

.فصل: مَا الحكم فِيمَا إِذا تضيق الْوَقْت فِي حق الْمُجْتَهد وخشي الْفَوات؟

إِذا وَقعت حَادِثَة، وفيهَا على الْمُجْتَهد تَكْلِيف وَلَو اجْتهد لفات مَا كلف - إِذْ الْوَقْت مضيق - وَلَو قلد عَالما قد فرغ من الِاجْتِهَاد لتمكن من إِقَامَة الْفَرْض. فَهَل لَهُ التَّقْلِيد فِي هَذِه الصُّورَة اخْتلف أصحاب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيهِ .
فَذهب الْمُزنِيّ إِلَى جَوَاز التَّقْلِيد، وَذهب غَيره إِلَى منع التَّقْلِيد. وَمن منع التَّقْلِيد اسْتدلَّ بِأَنَّهُ من الْمُجْتَهدين. وَقد ثَبت منع تَقْلِيد الْمُجْتَهدين فَلَا يعْتَبر ذَلِك بِضيق الْوَقْت و لَا سعته. أَيْضا فَإنَّا نقدر الِاجْتِهَاد - على القَوْل بِمَنْع التَّقْلِيد - شرطا فِيمَا يقيمه الْمُجْتَهد من الحكم .
وَمَا كَانَ من الشَّرَائِط فَلَا يخْتَلف الحكم فِيهِ بخشية الْفَوات وَالدَّلِيل عَلَيْهِ ستر الْعَوْرَة وَالطَّهَارَة وَمَا عَداهَا من شَرَائِط الصَّلَاة.
قَالَ القَاضِي رَضِي الله عَنهُ وَالْكَلَام فِي هَذَا الضَّرْب لَا يكَاد يلْحق الْقطع فَإنَّا وَإِن منعناه من التَّقْلِيد، فَيتَعَيَّن عَلَيْهِ إِقَامَة الْفَرْض من غير اجْتِهَاد على مَا يتَّفق. وَلَا نجْعَل الِاجْتِهَاد شرطا فِي إِقَامَة فرض.
فَإِذا كَانَ يُصَلِّي على الِاتِّفَاق عِنْد التباس أَمَارَات الْقبْلَة، فَلَا يبعد أَن يُصَلِّي مُقَلدًا وَالْمَسْأَلَة من الْفُرُوع فتدبرها.
فَهَذَا أحد قسمي الْكَلَام فِي التَّقْلِيد. فَإنَّا ذكرنَا فِي صدر الْبَاب أَن نتكلم فِي فصلين:
أَحدهمَا: تَقْلِيد الْعلمَاء بَعضهم بَعْضًا من غير الصَّحَابَة.
وَالثَّانِي: تَقْلِيد الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم.
/ وَبَقِي علينا الْكَلَام فِي تَقْلِيد الصَّحَابَة.

.القَوْل فِي تَقْلِيد الصَّحَابِيّ و هَل ينْتَصب قَوْله حجَّة؟ وَذكر الْخلاف فِيهِ:

اخْتلف الْعلمَاء فِي قَول الصَّحَابِيّ الْمُجْتَهد.
فَذهب الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم إِلَى أَنه حجَّة، يجب على الْمُجْتَهدين من سَائِر أهل الْأَعْصَار التَّمَسُّك بِهِ.
ثمَّ قَالَ رَضِي الله عَنهُ وَإِنَّمَا يكون حجَّة، إِذا لم يخْتَلف الصَّحَابَة وَلَكِن نقل قَول وَاحِد عَن وَاحِد. وَلم يظْهر بِخِلَاف. فَيكون حِينَئِذٍ حجَّة. وَإِن لم ينتشر.
وَقَالَ فِي بعض أَقْوَاله: إِذا اخْتلف الصَّحَابَة، فالتمسك بقول الْخُلَفَاء أولى وَهَذَا كالدليل على أَنه لم يسْقط الِاحْتِجَاج بأقوال الصَّحَابَة لأجل الِاخْتِلَاف.
وَقَالَ فِي بعض أَقْوَاله: الْقيَاس الْجَلِيّ يقدم على قَول الصَّحَابِيّ.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: إِن قَول الصَّحَابِيّ مقدم على الْقيَاس.
وَأَجْمعُوا على أَن قَول الصَّحَابِيّ لَا يكون حجَّة على الصَّحَابِيّ، وَالظَّاهِر من الْمذَاهب أَنهم إِذا اخْتلفُوا، سقط الِاحْتِجَاج بأقوالهم.
فنبدأ بِمَا تمسك بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَن قَول الصَّحَابِيّ حجَّة.
ف مما استدلوا بِهِ، مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي .
فَنَقُول لَهُم: إِنَّمَا عَنى بِالسنةِ و الْأَمر بالاتباع فِيهَا لُزُوم الطَّاعَة للخلفاء والتحضيض على الانقياد وَالطَّاعَة بأقصى الْجهد.
وَإِن زَعَمُوا أَن الْأَمر بالاقتداء عَام. فَمَا ذَكرُوهُ سَاقِط من وَجْهَيْن.
أَحدهمَا: أَنا لَا نقُول بِالْعُمُومِ.
وَالثَّانِي: أَن الحَدِيث غير منطو على صِيغَة عُمُوم. فَإِن السّنة لَيْسَ فِيهَا قَضِيَّة عُمُوم. بل هِيَ لَفْظَة مُحْتَملَة.
وَالدَّلِيل على ذَلِك، أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ يُرِيد الِاحْتِجَاج بقول الصَّحَابِيّ على مَا يَعْتَقِدهُ المخالفون، لما خصص الْخُلَفَاء بِالذكر فَلَمَّا أَرَادَ بِمَا قَالَه الطَّاعَة، خصصه بالخلفاء.
وَمِمَّا استدلوا بِهِ مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: أصحابي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ .
فَنَقُول لَهُم: بِمَ تنكرون على من يزْعم، أَنه أَرَادَ بذلك أَمر الْعَوام فِي عصره بالاقتداء بالعلماء؟
فَإِن قَالُوا: فاللفظة عَامَّة!
قيل لَهُم: وَنحن لَا نقُول بِالْعُمُومِ على أَنكُمْ خصصتم اللَّفْظ فِي حق الصَّحَابَة، بَعضهم مَعَ بعض.
وَالَّذِي يُوضح بطلَان احتجاجهم أَن اللَّفْظَة منبئة عَن تَخْيِير. وَالدَّلِيل على ذَلِك - أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ».
فَهَذَا فِي ظَاهره يُنبئ عَن احتجاجهم فِي الْمَسْأَلَة الْوَاحِدَة ثمَّ يُخَيّر الْمُجْتَهد فِي الْأَخْذ بقول أَيهمْ شَاءَ فَلَو اخْتلفُوا لسقط الِاحْتِجَاج بقَوْلهمْ عِنْد مخالفينا فَسقط استدلالهم من كل وَجه.
وَرُبمَا يتمسكون بجمل من الظَّوَاهِر، يؤول مرجعها إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ و رُبمَا يتمسكون بطرق من الْمَعْنى. فَيَقُولُونَ: أصحاب الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَضي عَنْهُم، شهدُوا الْوَحْي والتنزيل ومواقع الْخطاب وشهدوا قَرَائِن الْأَحْوَال فَلَا يصدر القَوْل مِنْهُم - مَعَ وُرُود الشراع بِإِحْسَان الظَّن بهم - إِلَّا وَهُوَ حق.
وَهَذَا الَّذِي ذَكرُوهُ لَا طائل وَرَاءه فَإِنَّهُم مَعَ مَا ذَكرُوهُ بصدد الزلل. وَلم تقم حجَّة قَاطِعَة على الِاسْتِدْلَال بقَوْلهمْ. وَلَا يدل الْعقل على ذَلِك أَيْضا.
فَلم يبْق فِيمَا ذَكرُوهُ معتصم.
وَدَلِيلنَا فِي هَذِه هُوَ الَّذِي قدمْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَة الأولى فِي منع التَّقْلِيد فاطردها على وَجههَا.
و اعْتبر بعض المعتبرين بِمَا إِذا اخْتلف الصَّحَابَة.
وَاعْتبر بَعضهم ذَلِك بقول الصَّحَابَة بَعضهم على بعض .
و الأولى التعويل على النُّكْتَة الَّتِي قدمناها. فَإنَّك إِذا قست على صُورَة الِاخْتِلَاف لم يسلم قياسك من سُؤال إِذْ يَقُول الْمُخَالف: لَا استبعاد فِي أَن ينصب قَول الصَّحَابَة علما وَحجَّة شرعا من غير اخْتِلَاف وَإِذا ظهر اخْتلَافهمْ لم ينْتَصب حجَّة. وَالْجمع بَينهمَا ضرب من الطَّرْد.
وَالْأَحْسَن - إِن أردْت التَّمَسُّك بِهَذَا الْفَصْل - أَن تورده مستفصلا مستفرقا. وَلَا تستدل بِهِ بديا. فَقل مَا يَسْتَقِيم للخصم طَرِيق من الطّرق .
وَقد أطنب القَاضِي رَضِي الله عَنهُ فِي كَلَام بعض مخالفينا على بعض. وَمن أحكم مَا قُلْنَاهُ، هان عَلَيْهِ مَا سواهُ.

.القَوْل فِي صفة الْعَالم الَّذِي يسوغ لَهُ الْفَتْوَى فِي الْأَحْكَام:

اجْمَعُوا أَنه لَا يحل لكل من شدا شَيْئا من الْعلم أَن يُفْتِي. وَإِنَّمَا يحل لَهُ الْفَتْوَى وَيحل للْغَيْر قبُول قَوْله فِي الْفَتْوَى، إِذا استجمع أوصافا .
مِنْهَا: أَن يكون عَالما بطرق الْأَدِلَّة، ووجوهها الَّتِي مِنْهَا تدل وَالْفرق بَين عقليها وسمعيها وَيكون عَالما بقضايا الْخطاب مَا يحْتَمل مِنْهُ وَمَا لَا يحْتَمل، ووجوه الِاحْتِمَال وَالْخُصُوص والعموم. والمجمل والمفسر، والصريح والفحوى.
وَالْجُمْلَة الجامعة لما شَرطه القَاضِي فِي هَذَا الْقَبِيل أَن يكون عَالما بأصول الْفِقْه. وَقد حددنا أصُول الْفِقْه بِمَا يتَمَيَّز بِهِ عَن سَائِر الْفُنُون.
وَمِمَّا يَشْتَرِطه فِي الْمُجْتَهد أَن يكون عَالما بِالْآيَاتِ الْمُتَعَلّقَة بِالْأَحْكَامِ من كتاب الله تَعَالَى. وَلَا يشْتَرط حفظ مَا عَداهَا من الْآيَات.
وَمِمَّا يَشْتَرِطه أَن يُحِيط بِهِ من سنَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ حَتَّى لَا يشذ مِنْهَا إِلَّا الْأَقَل. وَلَا يُكَلف الْإِحَاطَة بجميعها. فَإِن ذَلِك مِمَّا لَا يَنْضَبِط .
وَمِمَّا يشْتَرط أَن يكون ذَا دراية فِي اللُّغَة والعربية وَلَا يشْتَرط أَن يُحِيط بمعظمها وفَاقا، فَإِن الْإِحَاطَة بمعظم اللُّغَة والعربية يستوعب الْعُمر، وَهَذِه رُتْبَة لم يَدعهَا أَئِمَّة اللُّغَة والعربية وَأَهْلهَا. وَإِنَّمَا يشْتَرط من اللُّغَة والعربية قدر مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى معرفَة الْكتاب وَالسّنة.
وَلَا يجتزي بِأَن يَأْخُذ تَفْسِير الْآيَات وَالْأَخْبَار تقليدا. بل يشْتَرط أَن يتدرب فِي اللُّغَة والعربية بِحَيْثُ يكون مِنْهَا على ثِقَة و خبْرَة .
وَمِمَّا يشْتَرط أَن يكون عَالما بمطاعن الْأَخْبَار الْمُتَعَلّقَة بِالْأَحْكَامِ. وَلَا يشْتَرط أَن يجمع علم الحَدِيث. فَإِنَّهُ يُجزئ أَن يُحِيط علما بِمَا قَالَه أَئِمَّة الحَدِيث فِي الْأَخْبَار الْمُتَّصِلَة بِالْأَحْكَامِ.
وَمِمَّا يَشْتَرِطه: أَن يُحِيط علما بمعظم مَذَاهِب السّلف، فَإِنَّهُ لَو لم يحط بهَا، لم يَأْمَن خرق الْإِجْمَاع فِي الْفَتَاوَى.
ثمَّ يشْتَرط بعد ذَلِك أَن يكون ورعا فِي دينه.
وَقد قَالَ القَاضِي رَضِي الله عَنهُ فِي خلل كَلَامه، مَا يدل على أَن التبحر فِي فن الْكَلَام، شَرط فِي استجماع أَوْصَاف الْمُجْتَهدين.
قلت وَلست أرى ذَلِك شرطا. إِذْ الْأَئِمَّة فِي الْأَعْصَار الخالية مَا زَالُوا يفتون فِي الْحَوَادِث وَكَانُوا لَا يستقلون بطرق حجاج الْمُتَكَلِّمين.
وَقد اسْتدلَّ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَق بقريب مِمَّا ذكره القَاضِي رَضِي الله عَنْهُمَا. وَمَا صَار إِلَيْهِ الْفُقَهَاء قاطبة عدم اشْتِرَاط ذَلِك.

.القَوْل فِي صفة المستفتى وَمَا عَلَيْهِ من الِاجْتِهَاد:

أجمع الْعلمَاء على أَن الْعَاميّ لَا يجب عَلَيْهِ سبر طرق الْأَدِلَّة فِي آحَاد الْمسَائِل. فَإِنَّهُ لَا يبلغ إِلَى ذَلِك، إِلَّا بِأَن يستجمع أَوْصَاف الْمُجْتَهدين.
وَلَو كلفنا النَّاس أَجْمَعِينَ أَن يبلغُوا أنفسهم رُتْبَة الْمُفْتِينَ، لانقطعوا عَن أَسبَاب المعاش وأفضى ذَلِك إِلَى امْتنَاع الطّلب على الطّلبَة أَيْضا.
فَإِذا ثَبت أَنه لَا يجب عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي آحَاد الْمسَائِل، وَإِنَّمَا فَرْضه الرُّجُوع إِلَى قَول الْمُفْتِي، فَهَل عَلَيْهِ أَن يجْتَهد فِي أَعْيَان الْمُفْتِينَ؟
ذهب بعض الْمُعْتَزلَة إِلَى أَنه لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء من الِاجْتِهَاد وَهَذَا اجتراء مِنْهُم على خرق الْإِجْمَاع. فَإِن الْأمة مجمعة على أَن من عنت لَهُ حَادِثَة، لم يسغْ لَهُ أَن يستفتي فِيهَا كل من يتلقاه. وَلَو نَفينَا وجوب الِاجْتِهَاد جملَة، أفْضى ذَلِك إِلَى تَجْوِيز الاستفتاء من غير فحص وتنقير عَن أَحْوَال الْمُفْتِينَ.
وَهَذَا تورط فِي مراغمة الِاتِّفَاق.
فَإِذا وضح بِمَا قدمْنَاهُ وجوب ضرب من الِا جْتِهَاد فمبلغه أَن يسائل عَن أَحْوَال الْعلمَاء، حَتَّى إِذا تقرر لَدَيْهِ بقول الْأَثْبَات والثقات أَن الَّذِي يستفتي مِنْهُم بَالغ مبلغ الِاجْتِهَاد، فيستفتيه حِينَئِذٍ.
ثمَّ ردد القَاضِي رَضِي الله عَنهُ جَوَابه فَقَالَ:
لَو قَالَ قَائِل: إِذا أخبرهُ بذلك عَدْلَانِ متهديان إِلَى مَا يخبران عَنهُ، فَلهُ الاجتزاء بأخبارهما كَانَ ذَلِك مُحْتملا.
وَلَو قَالَ الْقَائِل: إِنَّه لَا يستفتي إِلَّا من استفاضت الْأَخْبَار عَن بُلُوغه مبلغ الِاجْتِهَاد، كَانَ مُحْتملا.
وَإِلَى الْجَواب الْأَخير مَال القَاضِي رَضِي الله عَنهُ . وَالْمَسْأَلَة على الِاحْتِمَال كَمَا ترَاهَا.

.فصل: هَل يجب تَقْلِيد الأعلم؟ وَالْقَوْل فِي تعَارض الْفتيا:

إِذا لم يكن فِي الْبَلدة الَّتِي فِيهَا المستفتى، إِلَّا عَالم وَاحِد فيقلده، و لَا يُكَلف الِانْتِقَال عَنهُ.
وَإِن جمعت الْبَلدة الْعلمَاء وكل مِنْهُم بَالغ مبلغ الِاجْتِهَاد، فقد ذهب بعض الْعلمَاء إِلَى أَن الْوَاجِب عَلَيْهِ أَن يُقَلّد الأعلم مِنْهُم، وَلَا يسوغ لَهُ تَقْلِيد من عداهُ.
وَهَذَا غير سديد وَالصَّحِيح أَنه لَهُ أَن يُقَلّد من شَاءَ مِنْهُم.
وَالَّذِي يُحَقّق ذَلِك أَن الَّذِي ثَبت فِي شَرَائِط الْمُفْتِي مَا قدمْنَاهُ فَإِذا اتّصف الْمَرْء بِهِ سَاغَ تَقْلِيده، وَلم يثبت فِي أصُول الشَّرِيعَة رِعَايَة مَا يزِيد على الشَّرَائِط الَّتِي قدمناها.
وَالَّذِي يُوضح الْحق فِي ذَلِك أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم انقسموا إِلَى الْفَاضِل والمفضول. وَكَانَ الصّديق رَضِي الله عَنهُ أفضلهم على مَذَاهِب أهل الْحق.
ثمَّ لم يكلفوا المستفتين أَلا يستفتوا غَيره. بل لم يجمعوا السَّائِلين على أحد مِنْهُم تعيينا مِنْهُم وتخصيصا.
فوضح بذلك أَنه لَا يتَعَيَّن على المستفتي التَّعَرُّض للأعلم.
فَإِن قَالَ قَائِل: فجوزوا على مَا ذكرتموه إِمَامَة الْمَفْضُول!
قُلْنَا: هَذَا خوض مِنْكُم فِي غير هَذَا الْفَنّ.
وَقد أَقَمْنَا فِيمَا نَحن فِيهِ أوضح دلَالَة. فَمَا وَجه تمسككم بِالْإِمَامَةِ؟.
وَذهب بعض من لَا حَظّ لَهُ فِي الْأُصُول إِلَى أَن المستفتى يَأْخُذ بأثقل الْأَجْوِبَة ويغلظ الْأَمر على نَفسه، إِذا تَعَارَضَت أجوبة الْعلمَاء: إِذْ الْحق ثقيل.
وَهَذَا تحكم من هَذَا الْقَائِل. فَإِن الثّقل لَيْسَ عَلامَة الصِّحَّة فَرب ثقيل بَاطِل وَرب سمح صَحِيح كَيفَ وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعثت بالحنيفية السمحة .
فَإِن قَالَ قَائِل: فَإِن تعَارض فتويان فِي تَحْلِيل وَتَحْرِيم فَبِمَ يَأْخُذ المستفتى؟
قُلْنَا: يَأْخُذ بأسبقهما إِلَيْهِ. فَإِن بَدْرًا من عَالمين جَمِيعًا أَخذ بِأَيِّهِمَا شَاءَ.

.القَوْل فِي الْحَظْر وَالْإِبَاحَة قبل وُرُود السّمع:

قد قدمنَا فِي صدر الْكتاب أَن الْعقل لَا يحسن وَلَا يقبح فَلَا تَحْسِين إِلَّا مَا حسنه الشَّرْع، وَلَا تقبيح إِلَّا مَا قبحته المناهي.
وَذَهَبت الْمُعْتَزلَة إِلَى أَن الْعقل، يسْتَدرك بِهِ قبح القبائح وَحسن المستحسنات وَهَذَا يستقصى فِي أصُول الديانَات.
بيد أَنا نذْكر عُقُود مذاهبم، لتَكون مِنْهَا على بَصِيرَة.
وَقد قسموا مدارك الْعُقُول فِي ذَلِك أَرْبَعَة أَقسَام:
أَحدهَا: مَا يدْرك بِالْعقلِ من الْوُجُوب. وَهُوَ نَحْو وجوب شكر الْمُنعم وَمَعْرِفَة الصَّانِع، وَالْعدْل والإنصاف.
وَالْقسم الثَّانِي: مَا يدْرك حسنه ندبا بِالْعقلِ. وَهُوَ التفضل وَالْإِحْسَان.
وَالْقسم الثَّالِث: وَهُوَ مَا يدْرك قبحه وتحريمه عقلا، وَهُوَ الْجَهْل بالصانع وكفران النعم وضروب الظُّلم.
وَالْقسم الرَّابِع: مَا يدْرك بِالْعقلِ إِبَاحَته.
ثمَّ إِنَّهُم قسموا هَذِه المدارك قسمَيْنِ.
فزعموا أَن مِنْهَا مَا يدْرك بضرورة الْعقل من غير احْتِيَاج إِلَى الِاعْتِصَام بالحجاج وَهُوَ نَحْو وجوب الشُّكْر وَتَحْرِيم الكفران وَالظُّلم وَنَحْوهمَا مِمَّا يفصلونه.
وَالْقسم الثَّانِي: مَا يدْرك مُقْتَضَاهُ بِالْعقلِ - ردا إِلَى مَا علم اضطرارا - قِيَاسا واعتبارا.
ثمَّ قَالُوا: من الْأفعال مَا لَا يدْرك فِيهَا حكم على التَّعْيِين بقضايا الْعُقُول. وَذَلِكَ نَحْو الْحُدُود ومبالغها والصلوات وَنصب الزكوات، إِلَى غَيرهَا.
قَالُوا: فَهِيَ على صِفَات الْحسن أَو على صِفَات الْقَبِيح. وَلَكِن لَا سَبِيل فِي دلالات الْعقل يُفْضِي إِلَيْهَا وَإِنَّمَا يعلم مواقعها بِالسَّمْعِ.
ثمَّ قَالُوا: فالحسن مِنْهَا لطف فِي فعل الْوَاجِبَات الْعَقْلِيَّة وَاجْتنَاب الْمَحْظُورَات، الْمدْرك حظرها عقلا. وَالنَّهْي عَن الْقَبِيح مِنْهَا لطف - على الْوَجْه الَّذِي قدمْنَاهُ.
فَهَذِهِ جملَة مذاهبهم. واستقصاء الْكَلَام عَلَيْهِم يَلِيق بالديانات.
ومقصدنا أَن نتعرض لما عدا الشُّكْر والكفران وَمَا ضاهاهما، مِمَّا يسلمُونَ لنا أَن الْعقل لَا يدل عَلَيْهَا على التَّعْيِين والتخصيص.
وَقد اخْتلف أَرْبَاب الْأُصُول فِي هَذَا الضَّرْب.
فَذهب البغداديون من الْمُعْتَزلَة: أَنَّهَا على الْحَظْر وَالْمَنْع، مَا لم يرد إِذن وَذهب الْبَاقُونَ من الْمُعْتَزلَة إِلَى أَن الْأَحْكَام قبل وُرُود الشَّرْع، على الْإِبَاحَة. وَمَا صَار إِلَيْهِ أهل الْحق - لَا حكم على الْعُقَلَاء قبل وُرُود الشَّرْع. وعبروا عَن نفي الْأَحْكَام بِالْوَقْفِ وَلم يُرِيدُوا بذلك الْوَقْف الَّذِي يكون حكما فِي بعض مسَائِل الشَّرْع، وَإِنَّمَا عنوا بِهِ انْتِفَاء الْأَحْكَام.
وَقد مَال بعض الْفُقَهَاء إِلَى الْحَظْر.
وَمَال آخَرُونَ إِلَى الْإِبَاحَة.
وَهَذَا لغفلتهم عَن تشعب ذَلِك عَن أصُول الْمُعْتَزلَة. مَعَ علمنَا بِأَنَّهُم مَا انتحوا مسالكهم وَمَا ابْتَغوا مقاصدهم.
فَالْأولى بِنَا أَن نتكلم على الْقَائِلين بِالْإِبَاحَةِ أَولا، ثمَّ ننعطف على الْقَائِلين بالحظر.
فَنَقُول: قد أوضحنا فِي صدر الْكتاب، أَن أَحْكَام الشَّرْع لَيست أوصافا رَاجِعَة إِلَى الْأَنْفس والذوات. و إِنَّمَا هِيَ قضايا كَلَام الرب تَعَالَى. فَإِذا لم يتَّصل بالعقلاء شرع اسْتَحَالَ تَقْدِير إِثْبَات حكم وَهَذَا بِنَاء.
وَإِن أَحْبَبْت إِفْرَاد الْمَسْأَلَة بِدَلِيل قلت: الْإِبَاحَة تنبئ عَن الْإِذْن، والمباح هُوَ الْمَأْذُون فِيهِ. وَالَّذِي يُحَقّق ذَلِك، أَنه لَا يَخْلُو القَوْل فِيهِ من أحد قسمَيْنِ:
إِمَّا أَن يُقَال: الْمُبَاح هُوَ الْمَأْذُون فِيهِ كَمَا قُلْنَاهُ. فَيبْطل إِثْبَات الْإِبَاحَة قبل اتِّصَال الْإِذْن بالعقلاء.
وَإِن عَنى خصومنا بِالْإِبَاحَةِ انْتِفَاء الْحَرج عَن الْمُقدم على الشَّيْء فَهُوَ مَا
نساعده عَلَيْهِ. فَإنَّا لَا نقدر قبل وُرُود الشَّرَائِع حرجا أصلا.
ويدور الْكَلَام بَيْننَا فِي عبارَة. وَنحن أسعد بِنَفْي الْإِبَاحَة. إِذْ الْإِبَاحَة تُضَاف إِلَى مُبِيح. وَلَو كَانَ يجتزي فِي تَحْقِيق سمة الْإِبَاحَة بِانْتِفَاء الْحَرج لزم وصف أفعال الْبَهَائِم والأطفال بِكَوْنِهَا مُبَاحَة.
وَقد اتَّفقُوا على منع ذَلِك وَصفا وإطلاقا.
فَإِن قَالُوا: بِمَ تنكرون على من يزْعم أَن الْمُبَاح هُوَ الَّذِي دلّت الدّلَالَة على إِبَاحَته؟
قُلْنَا: هَذَا لَا طائل تَحْتَهُ. فَإِنَّكُم لم تفسروا الْإِبَاحَة بل أجملتموها وعقلتموها بِدلَالَة. وَهَذَا مَا لَا ينجيكم عَمَّا أُرِيد بكم.
فَإِن قَالُوا: فقد علم كل عَاقل بعقله إِبَاحَته مَا فِيهِ نزاعا. فَينزل ذَلِك منزلَة الْمُصَرّح بِهِ.
قُلْنَا: فَفِي هَذَا تنازعنا. فَلم قُلْتُمْ إِنَّه علم بعقله؟ على أَنه يلزمكم أَلا تحققوا الْإِبَاحَة فِي حق من لم تخطر لَهُ دلَالَة الْإِبَاحَة من عقله.
وَمَا نعول عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَة أَن نقُول: قد ثَبت من أصلكم أَنه لَا يقطع بِإِبَاحَة الشَّيْء إِلَّا عِنْد الْقطع بِانْتِفَاء الضَّرَر عَاجلا وآجلا فِي الْإِقْدَام عَلَيْهِ. فَإِذا وضح ذَلِك فَمَا يؤمنكم أَن الَّذِي يقدم عَلَيْهِ الْمَرْء قبل اسْتِقْرَار الشَّرَائِع يضرّهُ فِي مآله. والمصلحة فِي دينه الْكَفّ عَنهُ.
فَعِنْدَ ذَلِك حارت عُقُولهمْ وَتَفَرَّقَتْ آراؤهم.
فَذهب معظمهم إِلَى أَنا عرفنَا ذَلِك بِعَدَمِ نصب الْأَدِلَّة على الْحَظْر وَإِيجَاب اجْتِنَاب المضار، فَلَمَّا لم ينصب الرب تَعَالَى - على مَا فِيهِ نزاعنا - دَلِيل التَّحْرِيم، دلّ على التَّحْلِيل.
قيل: فَبِمَ تنكرون على من يعكس عَلَيْكُم مقالكم، فَيَقُول: الْأَحْكَام على الْحَظْر إِذْ لَو كَانَت على الْإِبَاحَة لنصبت عَلَيْهَا دلَالَة دَالَّة على الْإِبَاحَة. فَعدم دلَالَة الْإِبَاحَة دَلِيل الْحَظْر. فَهَذَا مَا لَا يَجدونَ عَنهُ مخلصا.
وَمِمَّا نستدل بِهِ عَلَيْهِم - من أصولهم - أَن نقُول: من أصلكم أَن التَّعَرُّض لملك الْغَيْر من غير إِذْنه، مِمَّا يدْرك تَحْرِيمه عقلا.
وَجُمْلَة مَا يقدم الْمَرْء على تنَاوله ملك للرب تَعَالَى - فَلم أحللتم الْإِقْدَام عَلَيْهِ دون إِذْنه؟ فَإِن قَالُوا: إِنَّمَا حرم التَّعَرُّض لملك الْغَيْر لتضرره، والرب تَعَالَى يتقدس عَن ذَلِك.
قيل لَهُم: فَلَو صَحَّ رِعَايَة التضرر كَمَا قلتموه، لزم أَلا يحل تنَاول ملك الْغَيْر وَإِن أذن فِيهِ. لما يلْحقهُ من الضَّرَر.
فَإِن قَالُوا: إِذا كَانَ ذَلِك صادرا عَن إِذْنه ومستفادا عَن مُقَابلَة ضَرَره فِي ملكه، مدحا وثناء. وَأَقل مَا يستفيده مَا يَنَالهُ من الاهتزاز بِحُصُول مُرَاده.
فَنَقُول: هَذَا الَّذِي ذكرتموه بَاطِل من أوجه:
مِنْهَا: أَنه لَو جَازَ رِعَايَة مَا يَنَالهُ من السرُور، للَزِمَ أَن نقُول: لَا يجوز الاستظلال بِظِل جِدَار الْغَيْر، إِذا كَانَ يغمه ذَلِك. وَإِن كَانَ لَا يتَضَرَّر بِهِ.
فَلَمَّا لم يعْتَبر بِهِ فِي التَّحْرِيم مَا ينَال من الْفَم. فَلَا يعْتَبر فِي التَّحْلِيل مَا ينَال من السرُور، على أَنه رُبمَا أَنه لَا يَنَالهُ بِإِذْنِهِ سرُور أصلا وَقد أذن فِيمَا يعظم ضَرَره عَلَيْهِ فَبَطل مَا عولوا عَلَيْهِ.
فَإِن استدلوا بقريب مِمَّا ذَكرْنَاهُ فَقَالُوا: إِذا ظهر الِانْتِفَاع - بِمَا فِيهِ نزاعنا - من كل وَجه واندفعت وُجُوه الضَّرَر، فَلَا وَجه إِلَّا الْإِبَاحَة وَالَّذِي يُوضح ذَلِك أَنه مَا من شَيْء قدروه مُبَاحا، إِلَّا وَيجوز وُرُود الشَّرْع بِتَحْرِيمِهِ. وَلَو كَانَ وَاجِب الْإِبَاحَة لنَفسِهِ لما جَازَ ذَلِك فِيهِ.
فَإِن قَالُوا: فَحَيْثُ يرد تَحْرِيمه، فَذَلِك لِأَن الْمصلحَة فِي تَحْرِيمه من وَقت وُرُود التَّحْرِيم.
قُلْنَا: فَهَذَا بِنَاء مِنْكُم على أصلكم الْفَاسِد فِي الْمصلحَة. وَنحن لَا نوافقكم فِيهَا. على أَنه يثبت جَوَاز توقع الْمصلحَة فِي تَحْرِيمهَا جملَة وَبَطل الْقطع بإباحتها.
وَمِمَّا استدلوا بِهِ أَيْضا أَن قَالُوا: إِذا خلق الرب تَعَالَى الْأَجْسَام وَخلق فِيهَا طعومها، مَعَ جَوَاز خلوها عَن الطَّعَام فَلَا فَائِدَة فِي خلق الطَّعَام فِيهَا. إِلَّا أَن يطْعمهَا الطامعون.
وَهَذَا فاتر من الْكَلَام. وَأول مَا فِيهِ. يمْنَعُونَ عَن جَوَاز خلو الْأَجْسَام عَن الطعوم، ثمَّ لَو سلم ذَلِك جدلا. فَمَا ذَكرُوهُ دَعْوَى مُجَرّدَة فَمنهمْ حَاجَة إِلَى أَن يثبتوا أَن فعل الرب تَعَالَى يُعلل. وَهَذَا مِمَّا يأباه أهل الْحق وَهُوَ مِمَّا يستقصى فِي التَّعْدِيل والتجوير.
ثمَّ لَو سلم ذَلِك - أَيْضا - وَقيل بتعليل أفعاله، فهم - على تَسْلِيم هَذَا الأَصْل - مطالبون بِأَن يثبتوا أَن الْمَقْصُود من خلق الطعوم مَا ذَكرُوهُ. فَبَطل مَا قَالُوهُ من كل وَجه. فَهَذَا سَبِيل الرَّد على الْقَائِلين بِالْإِبَاحَةِ.
فَأَما الْقَائِلُونَ بالحظر فَيُقَال لَهُم: إِذا حكمتم بحظر بعض من الْأفعال وَهِي ذَات أضداد، فَإِن حرمتم الْفِعْل وضده - وَالْمحل لَا يَخْلُو عَنْهُمَا جَمِيعًا - كَانَ ذَلِك تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق.
وَإِن حرمتم أحد الضدين لم تَكُونُوا أولى مِمَّن يحرم الآخر فيحلل ماحرمتموه.
ثمَّ نقُول لَهُم: قد قُلْتُمْ أَن مَا لَا ضَرَر فِيهِ على الْمَالِك، فتدرك إِبَاحَته عقلا نَحْو الاستظلال بِظِل الجدران وَمَا أشبههَا.
وَجُمْلَة مَا لم ينْتَفع بِهِ، ملك لله تَعَالَى. وَهُوَ يجل عَن التضرر، فَهَلا أبحتم تنَاوله لذَلِك.
فيتسلط على الْقَائِلين بالحظر احتمالات التَّحْلِيل. كَمَا وجهنا على الْقَائِلين بالتحليل احتمالات الْحَظْر.
على أَنا نقُول لِلْقَائِلين بالحظر: أتعتقدون الْخطر وَصفا فِي الْمَحْظُور أم لَا تعتقدون ذَلِك؟
فَإِن اعتقدتموه وَصفا فِيهِ، أبطلنا مَا قَالُوهُ، بِالْبِنَاءِ على مَا قدمْنَاهُ من أصلنَا فِي الْأَحْكَام - لَا يرجع إِلَى أَوْصَاف الْمَحْكُوم فِيهَا.
وَإِن لم يصرف الْحَظْر إِلَى أَوْصَاف الْمَحْظُور، لم يبْق لَهُم مصرف سوى قَضِيَّة كَلَام الله تَعَالَى وَجل، فَلَا يتَحَقَّق إِدْرَاكه قبل اتِّصَال الشَّرْع بِنَا.
وَقد انْقَضتْ شبههم فِي خلل كلامنا. وَمضى مَا فِيهِ التفصي عَنْهَا واستقصاء الْكَلَام فِي أَطْرَاف هَذِه الْمَسْأَلَة يتَعَلَّق بفن الْكَلَام. وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ غنية إِن شَاءَ الله عز وَجل.
تمّ كتاب التَّلْخِيص بِحَمْد الله تَعَالَى وَحسن عونه. وَصلى الله على مُحَمَّد نبيه وَسلم تَسْلِيمًا.